لريكا بين الاباحة والتجريم
نشرت بتاريخ
15-02-2019
class="MsoNormal" dir="RTL" style="direction: rtl; unicode-bidi: embed; text-align: right;">
ليريكا أو بريغابالين، هذا الدواء الذي أسال الكثير من الحبر في الجزائر، ولم يستقر القضاء الجزائري على اتجاه قضائي واحد، ويتم الفصل بصفة نهائية ان كان هذا الدواء يشكل مؤثرا عقليا تترتب عن حيازته او استهلاكه او بيعه عقوبات جزائية، أم انه مجرد دواء لا يدخل تحت تصنيف الممنوعات او المؤثرات العقلية، بل ان الظروف وطريقة الاستعمال هي من جعلت منه زعيم المؤثرات العقلية في الجزائر، لهذا الغرض قمنا بدراسة موضوعية تحليلية حول هذا الدواء استنادا على طرح التساؤلات التالية،
. ما هو دواء ليريكا وما هي تسميته العلمية،
هل يعتبر ليريكا من المؤثرات العقلية الممنوعة او لا،
. كيف يمكن معرفة ان كان دواء ليريكا يدخل ضمن المؤثرات العقلية،
هذا ما سنحاول الاجابة عليه في هذه الاسطر …..
اذن
لريكا او بريغابالين(بالانجليزية Pregabalin) حسب ما جاء في موسوعة ويكيبيديا هو شبيه غاما امينو بيوتريك اسيد و يستخدم كمضاد للصرع و مهدئ لآلام الاعصاب و يستخدم كدواء اضافي في علاج الصرع الجزئي سواء اذا كان يتمدد ليصبح منتشرا في كامل الجسم او اذا بقي محصورا في منطقة واحدة من الجسد، يعتبر من الادوية التي من النادر ان تستخدم لغايات الإدمان و في حالات قليلة قد تسبب الإدمان في حال تعاطي جرعة عالية و يصنف الدواء كمادة مراقبة تحت الفئة الخامسة في الولايات المتحدة الأمريكية،
حسب تعريف وكيبيديا فان الدواء لا يعتبر مؤثرا عقليا، وان امريكا فقط تصنفه ضمن الادوية المراقبة، وانه من النادر استخدامه لغايات الادمان، هذا في امريكا،
+ ماذا عن الجزائر؟
. في الجزائر يعتبر ليريكا اسهل وافضل طريقة لتعاطي المخدرات للمدمنين عليها، بل هو الادمان بعينه.
لكن ما هو موقف المشرع الجزائري من دواء ليريكا؟
. لقد نص المشرع الجزائري في المادة 02 من القانون 04-18 فانه يقصد بالمخدر كل مادة طبيعية او اصطناعية من المواد الواردة في الجدول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة بموجب بروتوكول 1972.(تجد كل القوائم على هذا التطبيق اضغط هنا).
اما المؤثرات العقلي:
هي كل مادة، طبيعية كانت أم اصطناعية، أو كل منتوج طبيعي مدرج في الجدول الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 وجاء في نص المادة من نفس القانون ما يأتي:
المادة 3: ترتب جميع النباتات والمواد المصنفة كمخدرات أو مؤثرات عقلية أو سلائف بقرار من الوزير المكلف بالصحة في أربعة (4) جداول تبعا لخطورتها وفائدتها الطبية ويخضع كل تعديل لهذه الجداول إلى الأشكال نفسها.
ماذا قالت الخبرة القضائية حول دواء ليريكا:
. بموجب خبرة قضائية الى دائرة علم السموم ببوشاوي لمعرفة ان كان دواء ليريكا مصنفا او لا كان الجواب التالي . المادة الفعالة Pregabalin غير مصنفة ضمن المواد المؤثرة عقليا، وغير مصنفة ضمن المواد المخدرة.
لكن ..؟؟؟ هل صدر اي قرار عن الوزير المكلف بالصحة، يحدد
القوائم أو الجداول ؟؟؟؟
فعلا لقد صدر بتاريخ 09 يوليو 2015 يتضمن ترتيب النباتات والمواد المصنفة كمخدرات او مؤثرات عقلية او سلائف، غير انه احتوى على مادة وحيدة تشير الى تصنيف المخدرات في الجدول الملحق بأصل القرار، لكنه للأسف لم يتم ارفاق أي جدول في طي صفحات الجريدة الرسمية التي نشر بها ذلك القرار، مما جعل الامور مبهمة سواء امام المواطن، ضابط الشرطة القضائية، و حتى امام القاضي، فالمواطن اصبح لا يعرف ما هو ممنوع او غير ممنوع، اما الشرطي فيترصد لكل قرص يتم تداوله او بيعه او استهلاكه في السوق السوداء بين الشباب، والويل ثم الويل لمن ضبط لديه قرص او قرصان او علبة او علب، فستنهال عليه وابل من الاتهامات،…
.ولهذا فان القاضي امام هذا الفراغ، ولحفظ ماء وجه وزير الصحة اجتهد وطبق ما جاء في الاتفاقية الوحيدة للمخدرات، والتي صادقت عليها الجزائر وهي المرجع الوحيد لمعرفة المادة ان كانت مخدرا او مؤثرا عقليا او لا.
تبعا لما سبق، هل يعتبر لريكا مؤثرا عقليا ممنوعا:
. لهذا الغرض قمنا بالاطلاع على كل القوائم الثلاث (الحمراء والصفراء والخضراء) بجداولها الاربعة ….. ولم نجد اي اثر للمادة المسماة Pregabalin حسب اسمها العلمي، وقمنا حتى بالبحث عن الاسم التجاري LYRICA، رغم ان الاسماء التجارية لا تذكر في الجداول، ورغم ذلك لم نجد اي اثر لهذا الدواء لنستنتج ان هذا الاخير غير مدرج في قوائم المخدرات وغير مصنف كمؤثر عقلي.
. حسب ما سبق بيانه …. ما هو الحل وكيف نتعامل مع هذا الدواء الخطير؟
ان المشرع الجزائري في المادة الاولى من قانون العقوبات اكد انه لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون.
اذا كان هذا رأي المشرع في دواء ليريكا، ما هو اذن راي القضاء فيه، وماذا قالت عنه الممارسات القضائية.
ماذا عن مصالح الضبطية القضائية:
. لقد لفت انتباهنا من خلال ما رايناه في المجتمع الجزائري، ومن خلال ما قرأناه في صفحات التواصل الاجتماعي، ان الشرطة تلاحق مدمني ومروجي دواء ليريكا في كل مكان، ليتم تقديمهم أمام وكلاء الجمهورية تبعا لاجراءات المثول الفوري لتحال على قضاة الحكم، لتصدر بعدها احكام متباينة،
ماذا عن جهة الاتهام ؟؟؟؟
ان تقديم أي حائز لاقراص ليريكا امام وكيل الجمهورية تؤدي بتوجيه الاتهام اليه حسب 3 فرضيات:
الاولى:
تعتبر فيها جهة الاتهام ان دواء ليريكا عبارة عن مخدر ، تمنع حيازته واستهلاكه دون
مبرر مشروع وتحيل الملف والمتهم على قاضي التحقيق او قاضي الحكم، ليحقق في القضية وليحاكم طبقا لقانون مكافحة المخدرات.(المواد 12، 13، 14 … الخ).
الثانية
ان تعتبر جهة الاتهام ان الدواء هو دواء عادي وان بيع دواء دون رخصة وتحيل الملف والمتهم على قاضي الحكم، ليحاكم طبقا لقانون الصحة.(425 ق الصحة).
الثالثة
وهي مستبعدة جدا ان يتم متابعة الشخص المحال على وكيل الجمهورية طبقا للمادة 459 من قانون العقوبات والمتعلقة بمخالفة المراسيم، كونه خالف المرسوم 76-138 المتعلق بتنظيم الصيدلة، (هذه الفرضية غير موجودة على ارض الواقع وادرجناها في هذه المداخلة باعتبارها اقرب نص قد ينطبق على بائع دواء ليريك، وفي هذه الحالة لا يمكن احالة المتهم طبقا لاجراءات المثول الفوري باعتبار الوقائع تشكل مخالفة.).
ماذا عن جهات الحكم :
. لقد قمنا بجولات عبر صفحات التواصل الاجتماعي وكان لنا حظ الاطلاع على بعض الاحكام القضائية التي صدرت في هذا المجال و منها ما قضى بالبراءة ومنها ما قضى بالادانة حول نفس الدواء (لن نقوم بنشر هذه الاحكام احتراما لخصوصية الاشخاص).
اذن لماذا هذا الاختلاف،
ان طبيعة الدواء المخدر لا تخضع لقناعة القاضي، بل تخضع للخبرة الطبية ولمدى تصنيفها في الجداول المذكورة اعلاه او لا، كما ان المشرع الجزائري في المادة الاولى من قانون العقوبات اكد انه لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون.
لكن لماذا تصدر احكام بالادانة//
. حسب رأينا فان صدور حكم بالبراءة او حكم بالادانة بمخالفة المرسوم 76-138 المتعلق بتنظيم الصيدلة (في حالة البيع) تعتبر احكاما صحيحة (ليس تغليطا للاحكام الصادرة بل هو مجرد راي خاص).
. لكن صدور حكم بالادانة يجعلنا نعطي كذلك عدة فرضيات …
اذا كانت المتابعة والادانة بناء على قانون مكافحة المخدرات:
·قد يذهب البعض الى في تسبيبه للحكم ان السبب هو اثر المادة على مستهلكها اذ تؤدي الى الادمان،
هذا صحيح قد تؤدي مادة بريغابالين الى الهلوسة او الادمان، لكن هذا غير كاف لادانة الشخص، لان النص يشترط ان تكون المادة المؤثرة عقليا مذكورة في الاتفاقية، اضافة الى ذلك هناك عدة مواد تؤدي الى الادمان ولا يمكن ادانة الشخص عليها، كما هو الحال لدواء باراسيتامل والذي تقترب مكوناته من دواء ليريكا غير انه اخف، كذلك مادة باتاكس، او الديليون التي يستعملها بعض الشباب للوصول الى حالة من الهلوسة والنشوة، فهذه المواد تؤدي الى الادمان كذلك، لكن لا يمكن باي حال من الاحوال ان يدان مستهلكها او حائزها، لان القانون لا يعاقب على حيازة الغراء، كما انه لا يعاقب على استهلاكه، ولم يذكر ان باراسيتامول من المؤثرات العقلية.
. تنص المادة 425 من قانون الصحة رقم 18-11 على انه يعاقب كل من يصنع الادوية المقلدة المحددة في المادة 211 من هذا القانون، او السمسرة لها او …. او عرضها للبيع اوبيعها او تصديرها ….. بالحبس من 5 سنوات …. الخ.
. اذن ومن خلال استقراء نص المادة 425 من قانون الصحة تبين انها لم تتحدث اطلاق على المنع من استهلاك أي دواء، وبالتاي فمن ضبط يحوز اقراص ليريكا لغرض الاستهلاك، فان هذا الفعل غير معاقب عليه.
. من استقراء نفس المادة كذلك تبين انها تتعلق ببيع الادوية المقلدة في تاريخها او مصدرها او هويتها، المذكورة في المادة 211 من نفس القانون، كما انها تخاطب باعة الادوية المرخصين والذين يتحايلون عند بيعهم الادوية،
اذن … ما هو محل ليريكا غير المقلد ….. هل نعتبره دواء مقلدا ونصدر حكما بادانة من يقوم ببيعه، بالتأكيد حيازة او بيع دواء ليريكا لا ينطبق عليه هذا الوصف، ويتعين الحكم بالبراءة ان كانت المتابعة حسب هذا الوصف.
ماذا لو تمت المتابعة بناء على مخالفة المرسوم 76-138 المتعلق بتنظيم
الصيدلة،
. في هذه الحالة اعتقد ان التكييف صحيح رغم بعض التحفظات ويمكن ادانة بائع دواء ليريكا (وليس الحائز لغرض الاستهلاك) طبقا للمادة 459 من قانون العقوبات، كون المتهم ليس له رخصة وقام ببيع الدواء، ورغم ذلك يبقى هناك بعض التحفظ اذا طبقنا التفسير الضيق للنص الجزائي، ذلك ان المرسوم اعلاه يخاطب المتخرجين من معاهد الصيدلة ولا يخاطب الاشخاص العاديين،
·في الاخير نشير الى بعض قرارات المحكمة العليا الجزائرية والتي تداركت الامر وبينت ان القاضي عليه تاكيد ان كان الدواء مصنفا كمخدر او لا.
· القرار الصادر في ……………………….. ملف رقم 1245763 فهرس 18/39368، وعدة قرارات اخرى جاء فيه، ان قضاة الموضوع سببوا قضاءهم على المتهمين الطاعنين على اساس حيازته على اقراص نوع بريغابالين 150 ملغ …… واصفين اياها انها اقراص مهلوسة، ولم يبينوا ان كانت خضعت عينة منها للخبرة وثبت انها مهلوسة، ولم يذكروا ان كانت مذكورة في احد الجداول الخمسة او ان الخبرة اثبتت انها مهلوسة فانهم قصروا في تسبيب قضائهم وعرضوه للنقض.
. هنا قد نوافق المحكمة العليا في مسألة مدى تواجد الاقراص في الجداول، لكن قد لا نوافقها في مسألة الخبرة ان كانت مهلوسة او لا، فالمشرع اشترط تواجد المؤثر العقلي في الجداول بغض النظر ان كان مهلوسا او لا، وقد يغفل المشرع عن دواء ما ويكون فيه مواد مخدرة ورغم ذلك لم يتم ذكره في الجداول، فانه (ولو احتوى على المواد المخدرة) لا يمكن ادانة حائزه او مستهلكه، لا ن العبرة في المواد المخدرة بتواجد المادة المخدرة اضافة الى ذكرها في الجداول، اما بالنسبة للمؤثرات العقلية فيكفي تواجدها في الجداول دون حاجة للبحث في مكوناتها. (رأي شخصي قابل للنقاش).
هناك اقتراح أخير، وهو متابعة الشخص على اساس المادة 187 من قانون الصحة والتي تنص:
تعتبر شبيهة بممارسة غير شرعية للمهنة، كل عملية بيع الأدوية أو تخزينها أو ايداعها أو عرضها أو توفيرها على الطريق العمومي أو في أماكن أخرى غير مرخص بها من قبل الوزير المكلف بالصحة، يقوم بها أي شخص ولو كان حائزا شهادة صيدلي.
في هذه الحالة اذا تم ضبط شخص وهو يوزع او يبيع او يعرض اقراص ليريكا يمكن اعتباره ممارسا غير شرعي لمهنة الصيدلية، وبالتالي فهو منتحل لهذه الصفة، ويمكن تطبيق المادة 242 من قانون العقوبات عليه والتي تنص على:
كل من تدخل بغير صفة، في الوظائف العمومية، المدنية أو العسكرية أو قام بعمل من أعمال هذه الوظائف، يعاقب بالحبس من سنة (1) إلى خمس ( 5) سنوات وبغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج، ما لم يكون الفعل جريمة أشد.
واعتقد ان هذا هو التكييف الأقرب للصواب.